اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 358
[ردّ ملك غسان] :
أما الولايات العربية التابعة للرومان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى أمرائها يعرض عليهم الإسلام، فكانت إجاباتهم أخشن وأقسى من ردّ القيصر نفسه!.
قرأ أمير دمشق خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم له: «بسم الله الرّحمن الرّحيم. من محمّد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر، سلام على من اتّبع الهدى وامن بالله وصدّق، وإنّي أدعوك أن تؤمن بالله واحده لا شريك له، يبقى ملكك» [1] .
فلمّا قرأه رمى به الأرض، وقال: من ينزع ملكي منّي؟ وأخذ يعدّ العدّة لقتال المسلمين.
والحارث ليس بالملك الأصيل حتى يشمخ بملكه على هذا النحو، إنه مولّى من قبل الرومان الغالبين؛ ليخدم أهواءهم، ويمشي في ركابهم، فهو كنفر من ملوك الشرق في عصرنا هذا، صنعهم المستعمرون ليكونوا حبالا تنجرّ بها الأمم المستضعفة وراء غاصبيها.
والهدية التي ردّها هي الأمل الوحيد لجعله حاكما شريفا لو أنّه قبلها وأشاعها.
وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمير بصرى- من ولايات الروم- مثل ما بعث به إلى أمير دمشق، وحمل الكتاب الحارث بن عمير الأزدي، فاعترضه في الطريق شرحبيل بن عمرو الغسّانيّ وسأله: أأنت من رسل محمّد؟ قال: نعم، فأمر به شرحبيل فقتل.
وترامت هذه الأخبار إلى المسلمين في المدينة، فجرحت كرامتهم، وأبانت لهم أنّ علائقهم بالرومان لن تندفع في طريق العدل والاحترام إلا بعد جهود شاقة.
[ردّ المقوقس ملك القبط] :
وردّ (المقوقس) على النبيّ صلى الله عليه وسلم ردّا حسنا، فلم يؤمن به، ولم يتهجّم عليه، ولمّا تسلّم كتابه من حاطب بن أبي بلتعة قال له: ما منعه إن كان نبيا أن يدعو على من خالفه وأخرجه من بلده؟ فقال حاطب: ما منع عيسى- وقد أخذه قومه [1] ذكره الواقدي بدون إسناد كما في (البداية) : 4/ 268.
اسم الکتاب : فقه السيرة المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 358